
تذكرها فجأة ، وشعر برغبة شديدة في النظر إليها، إلى مرآة الأحلام، إلى السر الذي اختصه به جده. فقد كان جده من محبي اقتناء التحف النادرة وكان من بين تلك التحف مرآة الأحلام التي كانت تجسد لمن ينظر إليها وهو يعرف سرها ما يحلم به في مستقبله، وكان جده يضعها في مكان خاص بالدور السفلي للبيت القديم، بيت العائلة الذي تربى فيه الجميع، وقبل وفاته بأيام أحضر حفيده الذي ارتبط به بشدة على انفراد وأخبره بالسر، سر مرآة الأحلام، ومن وقتها أخذ الحفيد يتردد من وقت لآخر على البيت القديم، حتى بعد أن أصبح مهجورًا وفرغ من ساكنيه، ليطمئن على مقتنيات جده وينظر إلى المرآة ليرى أحلامه متجسدة أمامه.
لم يكن هذا الشاب يدري السبب الذي أبعده عن الذهاب إلى البيت القديم والنظر في مرآة الأحلام كل تلك الفترة، فربما يكون قد شغلته رغبته في تحقيق أحلامه عن رغبته في رؤيتها داخل المرآة. لكن بمجرد أن تذكرها، وفي دقائق قليلة، كان قد بدل ثيابه واتجه إلى البيت القديم. وبمجرد أن فتح باب البيت أضاء جميع أنواره ثم اتجه إلى مكان المرآة على الفور دون أي تريث، وبحركات سريعة كان قد رفع غطاء وضعه هو بنفسه من قبل على المرآة وبدأ في تنظيف ما أهاله الزمن من غبار وأتربة على الأحلام ... عفوًا ... على مرآة الأحلام.
وبعد أن انتهى من تنظيفها وقف أمامها مغمضًا عينيه وكأنه يريد أن يضفي نوعًا من التشويق على الموقف قبل أن يفتح عينيه ليرى حلمًا جديدًا متجسدًا أمامه، ولكن بعد أن فتح عينيه حدثت مفاجأة لم يكن يتوقعها .... نظر إلى المرآة فلم ير إلا نفسه.
كان من الواضح أن المشهد كان مفاجئًا له وغريبًا عليه لأن الحلم الذي كان متشوقًا إلى رؤيته لم يظهر، وبعد لحظات من الذهول وانعدام رد الفعل بدأ ينظر يمينًا ويسارًا، ثم تحرك تجاه المرآة وبدأ ينظفها مرة أخرى بشتى الطرق، لكن كان من الواضح أنها أصبحت نظيفة ولا تحتاج إلى أي تنظيف آخر، ولكنه لم ييأس وظل يحاول بشتى الطرق وينقل المرآة من مكانها ثم يعيدها مرة أخرى والمشهد واحد لا يختلف، وبعد مرور دقائق – بل ساعات – يأس من محاولاته، فأغلق البيت القديم وعاد إلى منزله.
وفي اليوم التالي قرر أن يذهب مرة أخرى إلى هناك، فلربما كان لليوم الماضي تأثيرًا سلبيًا أبطل عمل المرآة، وبالفعل ذهب وفعل مثلما فعل في اليوم الأول وأكثر، غير أن الأمور لم تختلف كثيرًا إلى أن هزمه اليأس ليعود مرة أخرى إلى منزله، لكن كان بداخله قرار بأن يحاول مرة أخرى في اليوم التالي أملاً في عمل المرآة ورؤية حلمه أو أحلامه. وعندما عاد إلى منزله لم يستطع أن يمنع نفسه من التفكير في أمر المرآة، فجلس في غرفة نومه، على طرف سريره، يفكر فيما حدث.
هل أصابت مرآة الأحلام مشكلة ما؟ سأل نفسه هذا السؤال لكنه قطع سؤاله بإجابة نافية؛ لا، لقد أكد لي جدي أن عمل تلك المرآة وسرها دائمان بدوامها. إذًا فماذا يحدث؟ لقد جربت تلك المرآة من قبل أكثر من مرة؛ لقد استخدمتها في بداية مرحلة المراهقة فرأيت فيها فتاة فاتنة الوجه ممشوقة القوام ذكية الملامح وكان هذا هو ما أحلم به في تلك الفترة بالفعل، كما استخدمتها بعد التخرج من الجامعة فرأيت نفسي في عمل محترم زرع بداخلي الأمل في مستقبل مزدهر وكان هذا أيضًا ما حلمت به في تلك الفترة، واستخدمتها بعد أن التحقت بالعمل فرأيت نفسي وسط زوجتي وأولادي في أسرة سعيدة مستقرة وكان هذا أقصى ما أحلم به في تلك الفترة، فماذا حدث للمرآة إذًا؟
توقف الشاب بعد أن سأل نفسه هذا السؤال لحظة عن التفكير وكأن ذكرياته عن أحلامه السابقة قد ذكرته بذكرياته عما آلت إليه تلك الأحلام. فالفتاة التي حلم بها ثم وجدها وأحبها تركته فجأة وبعد علاقة قوية استمرت فترة ليست بالقصيرة دون أية مقدمات أو أسباب، حتى أنها لم تكبد نفسها عناء الشرح وتوضيع وتبرير ما فعلته معه. أما العمل الذي التحق به وكان شديد السعادة به، فما أن بدأ يستقر بداخله ويعرف خباياه حتى فوجئ بطبيعة بيئة هذا العمل وما فيه من مجاملة ومحاباة وظلم وقتل للطموح والمواهب وإحباط وتثبيط للهمم. وأما الأسرة التي كانت أقصى أحلامه وأمانيه فقد ضاعت قبل أن تولد وذلك لضياع أهم عناصرها؛ الفتاة التي أحبها وحلم بها والظروف الاجتماعية غير المناسبة التي لا تساعد في بناء أسرة سعيدة.
وجد هذا الشاب نفسه يتجه دون إرادة منه إلى سؤال شديد القسوة عليه، لكن لا مفر منه؛ بماذا أحلم الآن؟ وبمجرد أن ترددت أصداء ذلك السؤال بداخله خارت قوى التفكير لديه وشل عقله، ولكن بعد أن وصل إلى قرار مهم؛ وهو أنه لن يتجه إلى مرآة الأحلام في اليوم التالي، ولا في أي يوم قريب قادم ....
آآآآآآآآآآآآه ... قالها وجسده ينهار منه مستويًا على سطح السرير، قالها وأخرج معها كل ما بداخله من حزن ويأس وألم وإحباط، قالها ثم صمت في وقت تعلقت فيه عيناه بسقف الحجرة ووضع كلتا يديه على رأسه، فقد علم وقتها فقط أن المشكلة ليست في المرآة، إنه لم ير أي شيء في مرآة الأحلام لأنه ببساطة لم يعد يحلم بأي شيء ......
لم يكن هذا الشاب يدري السبب الذي أبعده عن الذهاب إلى البيت القديم والنظر في مرآة الأحلام كل تلك الفترة، فربما يكون قد شغلته رغبته في تحقيق أحلامه عن رغبته في رؤيتها داخل المرآة. لكن بمجرد أن تذكرها، وفي دقائق قليلة، كان قد بدل ثيابه واتجه إلى البيت القديم. وبمجرد أن فتح باب البيت أضاء جميع أنواره ثم اتجه إلى مكان المرآة على الفور دون أي تريث، وبحركات سريعة كان قد رفع غطاء وضعه هو بنفسه من قبل على المرآة وبدأ في تنظيف ما أهاله الزمن من غبار وأتربة على الأحلام ... عفوًا ... على مرآة الأحلام.
وبعد أن انتهى من تنظيفها وقف أمامها مغمضًا عينيه وكأنه يريد أن يضفي نوعًا من التشويق على الموقف قبل أن يفتح عينيه ليرى حلمًا جديدًا متجسدًا أمامه، ولكن بعد أن فتح عينيه حدثت مفاجأة لم يكن يتوقعها .... نظر إلى المرآة فلم ير إلا نفسه.
كان من الواضح أن المشهد كان مفاجئًا له وغريبًا عليه لأن الحلم الذي كان متشوقًا إلى رؤيته لم يظهر، وبعد لحظات من الذهول وانعدام رد الفعل بدأ ينظر يمينًا ويسارًا، ثم تحرك تجاه المرآة وبدأ ينظفها مرة أخرى بشتى الطرق، لكن كان من الواضح أنها أصبحت نظيفة ولا تحتاج إلى أي تنظيف آخر، ولكنه لم ييأس وظل يحاول بشتى الطرق وينقل المرآة من مكانها ثم يعيدها مرة أخرى والمشهد واحد لا يختلف، وبعد مرور دقائق – بل ساعات – يأس من محاولاته، فأغلق البيت القديم وعاد إلى منزله.
وفي اليوم التالي قرر أن يذهب مرة أخرى إلى هناك، فلربما كان لليوم الماضي تأثيرًا سلبيًا أبطل عمل المرآة، وبالفعل ذهب وفعل مثلما فعل في اليوم الأول وأكثر، غير أن الأمور لم تختلف كثيرًا إلى أن هزمه اليأس ليعود مرة أخرى إلى منزله، لكن كان بداخله قرار بأن يحاول مرة أخرى في اليوم التالي أملاً في عمل المرآة ورؤية حلمه أو أحلامه. وعندما عاد إلى منزله لم يستطع أن يمنع نفسه من التفكير في أمر المرآة، فجلس في غرفة نومه، على طرف سريره، يفكر فيما حدث.
هل أصابت مرآة الأحلام مشكلة ما؟ سأل نفسه هذا السؤال لكنه قطع سؤاله بإجابة نافية؛ لا، لقد أكد لي جدي أن عمل تلك المرآة وسرها دائمان بدوامها. إذًا فماذا يحدث؟ لقد جربت تلك المرآة من قبل أكثر من مرة؛ لقد استخدمتها في بداية مرحلة المراهقة فرأيت فيها فتاة فاتنة الوجه ممشوقة القوام ذكية الملامح وكان هذا هو ما أحلم به في تلك الفترة بالفعل، كما استخدمتها بعد التخرج من الجامعة فرأيت نفسي في عمل محترم زرع بداخلي الأمل في مستقبل مزدهر وكان هذا أيضًا ما حلمت به في تلك الفترة، واستخدمتها بعد أن التحقت بالعمل فرأيت نفسي وسط زوجتي وأولادي في أسرة سعيدة مستقرة وكان هذا أقصى ما أحلم به في تلك الفترة، فماذا حدث للمرآة إذًا؟
توقف الشاب بعد أن سأل نفسه هذا السؤال لحظة عن التفكير وكأن ذكرياته عن أحلامه السابقة قد ذكرته بذكرياته عما آلت إليه تلك الأحلام. فالفتاة التي حلم بها ثم وجدها وأحبها تركته فجأة وبعد علاقة قوية استمرت فترة ليست بالقصيرة دون أية مقدمات أو أسباب، حتى أنها لم تكبد نفسها عناء الشرح وتوضيع وتبرير ما فعلته معه. أما العمل الذي التحق به وكان شديد السعادة به، فما أن بدأ يستقر بداخله ويعرف خباياه حتى فوجئ بطبيعة بيئة هذا العمل وما فيه من مجاملة ومحاباة وظلم وقتل للطموح والمواهب وإحباط وتثبيط للهمم. وأما الأسرة التي كانت أقصى أحلامه وأمانيه فقد ضاعت قبل أن تولد وذلك لضياع أهم عناصرها؛ الفتاة التي أحبها وحلم بها والظروف الاجتماعية غير المناسبة التي لا تساعد في بناء أسرة سعيدة.
وجد هذا الشاب نفسه يتجه دون إرادة منه إلى سؤال شديد القسوة عليه، لكن لا مفر منه؛ بماذا أحلم الآن؟ وبمجرد أن ترددت أصداء ذلك السؤال بداخله خارت قوى التفكير لديه وشل عقله، ولكن بعد أن وصل إلى قرار مهم؛ وهو أنه لن يتجه إلى مرآة الأحلام في اليوم التالي، ولا في أي يوم قريب قادم ....
آآآآآآآآآآآآه ... قالها وجسده ينهار منه مستويًا على سطح السرير، قالها وأخرج معها كل ما بداخله من حزن ويأس وألم وإحباط، قالها ثم صمت في وقت تعلقت فيه عيناه بسقف الحجرة ووضع كلتا يديه على رأسه، فقد علم وقتها فقط أن المشكلة ليست في المرآة، إنه لم ير أي شيء في مرآة الأحلام لأنه ببساطة لم يعد يحلم بأي شيء ......
