
كان المشهد متكررًا ومألوفًا لكل منهما، فقد شاهداه كثيرًا من قبل في الأفلام والمسلسلات والإعلانات التليفزيونية وقرآه في الروايات، لكن لم يكن أي منهما يؤمن به أو بتأثيره على أبطاله إلى أن حدث ما حدث. ويتجسد المشهد في فتى يسير في جامعته وفتاة تسير هي الأخرى حاملة بعض الكتب والأوراق، وكل منهما يسرح بخواطره وأفكاره إلى أن يقع الصدام، فتتناثر الكتب على الأرض وتتطاير الأوراق في الهواء فينحني كل منهما بشكل تلقائي ليجمع الكتب والأوراق، وبشكل عفوي تتغير المشاهد أمام العيون إلى أن يحدث اللقاء ... لقاء العيون.
عندما وقعت عيناه على عينيها شعر بخفقة عجيبة في قلبه وكأنه قد انقبض ليصبح في مثل حجم حبة الذرة ثم انبسط بشكل سريع ليصبح في مثل حجم كرة كبيرة ضاخًا في جسده كميات كبيرة من الدماء نشرت السخونة في جميع أجزاء جسده. ما هذا التأثير؟ سأل نفسه هذا السؤال في لحظة لكن الوقت لم يسعفه ليجد الإجابة، فقد وقع تحت تأثير تلك العيون الحوراء، لقد كان هذا الفتى ممن يؤمنون بأن جمال الروح أهم من أي شيء وأن أكثر أعضاء الجسم عكسًا لطبيعة الروح هي العيون، أما الآن فقد تحول إيمانه إلى يقين، فها هي روحها تتجسد أمام عينيه في عينيها فيجدها روحًا حانية رقيقة مرحة قادرة على احتواء الدنيا بكل ما فيها من أشكال وألوان، أفراح وهموم وأحزان، روح قادرة على احتواء السموات والأرض ومن فيهن بكل بساطة وحب وتلقائية. شعر الفتى وعينيه ما زالت مصوبة إلى عيني الفتاة أنه قد قابلها من قبل، عرفها وعرفته أو ربما لم يقابلها لكنه كان دائمًا في بحث دؤوب عنها، ربما لحاجته إليها أو لاشتياقه لها، أيًا كان فهي أمامه الآن ينظر إلي عينيها ويستمتع بتأثيرهما.
لحظات قصيرة مرت عليه طويلة، أو ربما أرادها هو هكذا، ومع تلك اللحظات اجتاحت الآمال والأفكار خياله فاستسلم لها دون أدنى مقاومة. لقد رأى تلك الفتاة حبيبة له، ليس هذا فقط، لقد رآها زوجة له يعود من عمله فيجدها في انتظاره بالمنزل، وبمجرد أن يفتح الباب تهفو إليه وكأنها عصفور صغير قد عاد إليه أنيسه وشريكه بعد غياب يوم كامل يبحث فيه عن الرزق، فتستقبله بابتسامة طفولية سعيدة مرحة وتتعلق به تعلق الطفلة بأبيها، فيقبل رأسها ويرحب بها هو الآخر ثم يتركها ليبدل ملابسه ويعود ليجدها قد حضرت له العشاء وتظل تقدم له ما لذ وطاب وتطعمه بيديها وعندما ينتهيا من العشاء تتركه للحظات ثم تعود إليه مرة أخرى فتفرد رجلها ليضع رأسه عليها وما يلبث أن يقص عليها ما شهده في يومه من أحداث وضغوط ويسترسل في حديثه مخرجًا كل ما يشعر به من هموم تجول بصدره وكأن صدره قفص يحوي طيور سوداء مخيفة تفتحه هي بيديها الغضة طاردة كل ما بداخلها حتى يفرغ مرة أخرى من تلك الكائنات المريبة ويصبح ساكنًا هادئًا قادرًا على استقبال المزيد منها في يوم جديد.
لقد كان دائمًا يشعر بالوحدة رغم جميع من يحيطون به ويحبونه، لكنه ظل دائمًا يخفي وجهًا آخر له عن عيون الناس، جميع الناس. كان الجميع يرون فيه الرجل القوي القادر على احتواء الجميع ومواجهة جميع مرارات الحياة وصعوباتها دون أن يكل أو يمل، لكنه ظل دائمًا يخفي بداخله تكوينه الحقيقي، ذلك الإنسان الضعيف رقيق المشاعر والتكوين الذي يتأثر من أقل حدث يحدث حوله أو كلمة تقال له أو عنه أو عمن يحبهم، ذلك الإنسان الذي تسيل دموعه بداخله لأقل مشاعر حزن أو لأقل هم يصاب به. أما الآن فقد وجد مراده، وجد الشخص الذي لا يخجل منه أو من ظهور وجهه الآخر الضعيف أمامه، فيظهر أمامه مجردًا من أية أقنعة وكأنه يواجه نفسه ويخاطب ذاته.
كان يتحدث إليها ورأسه على رجلها، كان يتحدث وكلما استرسل في حديثه كلما شعر براحة أكبر إلى أن تتحول هذه الراحة إلى غفوة منه، وعندما تراه هكذا تضحك ضحكة عذبة توقظه من غفوته، ويضحك هو الآخر عندما يدرك ما حدث ويظلا يضحكان معًا، يضحكان طويلاً وتلمع أعينهما بدموع الحب.
أما هي فعندما وقعت عيناها أسيرة لعينيه الصافيتين تجسد لها دون أية مقدمات فارسًا للأحلام. لقد وجدت في عينيه رجلاً تتمناه وتحلم به أية فتاة، وتعجبت للحظة، فهل من الممكن أن يحدث ذلك التأثير لمجرد نظرة واحدة؟ هل يمكن للعيون أن يكون لها مثل ذلك التأثير؟ ولم تجد هي الأخرى الفرصة لتجيب على أسئلتها، فقد أسرتها عيونه وروحه فما لبثت هي الأخرى أن وقعت برضًا منها فريسة لأحلام اليقظة.
لقد كانت هي الأخرى تبحث منذ أمد بعيد عن رجل مختلف، رجل بمعنى الكلمة تعتمد عليه في كل شيء وفي كل تفصيلة صغيرة من تفاصيل حياتها، رجل قادر بنظرة من عينيه على أن يحتويها بكل مشاعرها وهمومها وأحزانها، يحتوي غضبها، يحتوي جنونها، يحتوي ضعفها، يحتوي غيرتها .... ويحتوي حبها. لقد كانت دائمًا تشعر – ويشعر كل من حولها – بضعفها فتبكي لأقل شيء ولا تتحمل أية كلمة من أي شخص وكان كثير ممن حولها يستغلون ذلك فيضغطون عليها ليشعروها بضعفها وحاجتها الدائمة إليهم وإلى وجودهم حولها. لم تكن حياتها مستقرة ولم تكن مقتنعة بكل من يحيطون بها من أصدقاء، وحتى أهلها فكانت تشعر بالوحدة المطلقة لكنها لم تكن قادرة على الاستغناء عنهم، وكان من الطبيعي أن تبحث باللاوعي عندها عن سكن لها، عن شخص قادر على أن يجمع شتاتها ويقوي من عزيمتها ومنها لتصبح قادرة على مواجهة الحياة والناس. لقد كانت تحلم منذ طفولتها وصباها بمكان يتحول فيه ضعفها إلى قوة، ولكنها لم تستطع أن تعثر عليه أو حتى أن تتخيله، أما في ذلك اليوم، وبعد تلك النظرة، وبعد أن سرحت بخيالها لتجد ذلك الفتى حبيبًا – بل زوجًا لها استطاعت ولأول مرة أن تتخيل ذلك المكان، لقد أدركت أن المكان الوحيد الذي تشعر فيه بقوتها هو بين يدي هذا الفتى.
لقد وصلت بخيالها إلى مشهد منزل الزوجية، فيعود الرجل (الفتى) من عمله فترنو إليه وتلقي بنفسها بين أحضانه الدافئة، لا تتركه حتى يبدل ملابسه فهي في حاجة شديدة إليه، وهو يرحب بذلك، وتظل تحكي له عما حدث لها في يومها، وما حدث لها عندما خرجت لتشتري بعض الأغراض للمنزل وعندما اتصلت بها إحدى صديقاتها القدامى وما قالته له، تشتكي اليه من الناس والحياة وتبكي، تبكي كثيرًا وتحكي، وتبكي أكثر وأكثر ثم تخرج من بين زراعيه فجأة وكأن خطبًا جللاً قد حدث، وتتوقف عن البكاء وتمسح دموعها السائلة على وجهها، لكن عينيها تظل ممتلئة بالدموع، فتسأله "انت بتحبني؟!" فينظر إليها نظرة عتاب وحب؛ عتاب على سؤالها، وحب يقطع دون شك ويجيب دون كلام عن السؤال، فتبادره بسؤال آخر وهي تبتسم هذه المرة "وبتحبني ليه بقى؟" فيبتسم هو الآخر ثم يجيبها "عشان بحب نفسي، وعمري ما قدرت أفرق بينك وبين نفسي." فتضحك وتبكي – لكن من السعادة هذه المرة – ثم تعود مرة أخرى إلى أحضانه لتنسى كل شيء إلا حبها وحبيبها.
أفاق كل منهما من تأثير النظرة الأولى فاعتدلا دون أن يجرؤ أي منهما على الحديث، فأخذت الفتاة كتبها وأوراقها، وهي لا تدري هل جمعتها كلها أم تركت بعضها على الأرض، ثم ذهبت وذهب، ولم يستطع أي منهما أن ينظر خلفه لينتهي اللقاء الأول فجأة كما بدأ.
عاد كل منهما إلى منزله بعد أن أمضو يومهما بالخارج، وبالمصادفة كان كل منهما يسكن في منزل تطل شرفته على البحر لكن في مكانين متباعدين، وبعد أن بدل كل منهما ملابسه وتناول غداءه وهو ساهم شارد يفكر قاما على الفور إلى شرفتيهما. كان الوقت وقت الغروب فشاهد كل منهما لهيب الشمس وهو ينطفئ في البحر مخلفًا ظلالاً رمادية كثيفة بين السماء والماء. وبعد الغروب بدقائق بدأت أضواء السماء تخبو شيئًا فشيئًا وكل منهما يتابع المشهد ثم نظرا إلى الأفق اللانهائي، إلى الخط الفاصل الذي يجمع ويفرق بين رمادية السماء عند منتهاها وزرقة البحر الداكنة معلنًا نهاية يوم شهد النظرة الأولى، وكل منهما يتوق قلبه وتتوق نفسه وروحه وشتى جوارحه إلى يوم جديد قد تولد فيه النظرة الثانية.
عندما وقعت عيناه على عينيها شعر بخفقة عجيبة في قلبه وكأنه قد انقبض ليصبح في مثل حجم حبة الذرة ثم انبسط بشكل سريع ليصبح في مثل حجم كرة كبيرة ضاخًا في جسده كميات كبيرة من الدماء نشرت السخونة في جميع أجزاء جسده. ما هذا التأثير؟ سأل نفسه هذا السؤال في لحظة لكن الوقت لم يسعفه ليجد الإجابة، فقد وقع تحت تأثير تلك العيون الحوراء، لقد كان هذا الفتى ممن يؤمنون بأن جمال الروح أهم من أي شيء وأن أكثر أعضاء الجسم عكسًا لطبيعة الروح هي العيون، أما الآن فقد تحول إيمانه إلى يقين، فها هي روحها تتجسد أمام عينيه في عينيها فيجدها روحًا حانية رقيقة مرحة قادرة على احتواء الدنيا بكل ما فيها من أشكال وألوان، أفراح وهموم وأحزان، روح قادرة على احتواء السموات والأرض ومن فيهن بكل بساطة وحب وتلقائية. شعر الفتى وعينيه ما زالت مصوبة إلى عيني الفتاة أنه قد قابلها من قبل، عرفها وعرفته أو ربما لم يقابلها لكنه كان دائمًا في بحث دؤوب عنها، ربما لحاجته إليها أو لاشتياقه لها، أيًا كان فهي أمامه الآن ينظر إلي عينيها ويستمتع بتأثيرهما.
لحظات قصيرة مرت عليه طويلة، أو ربما أرادها هو هكذا، ومع تلك اللحظات اجتاحت الآمال والأفكار خياله فاستسلم لها دون أدنى مقاومة. لقد رأى تلك الفتاة حبيبة له، ليس هذا فقط، لقد رآها زوجة له يعود من عمله فيجدها في انتظاره بالمنزل، وبمجرد أن يفتح الباب تهفو إليه وكأنها عصفور صغير قد عاد إليه أنيسه وشريكه بعد غياب يوم كامل يبحث فيه عن الرزق، فتستقبله بابتسامة طفولية سعيدة مرحة وتتعلق به تعلق الطفلة بأبيها، فيقبل رأسها ويرحب بها هو الآخر ثم يتركها ليبدل ملابسه ويعود ليجدها قد حضرت له العشاء وتظل تقدم له ما لذ وطاب وتطعمه بيديها وعندما ينتهيا من العشاء تتركه للحظات ثم تعود إليه مرة أخرى فتفرد رجلها ليضع رأسه عليها وما يلبث أن يقص عليها ما شهده في يومه من أحداث وضغوط ويسترسل في حديثه مخرجًا كل ما يشعر به من هموم تجول بصدره وكأن صدره قفص يحوي طيور سوداء مخيفة تفتحه هي بيديها الغضة طاردة كل ما بداخلها حتى يفرغ مرة أخرى من تلك الكائنات المريبة ويصبح ساكنًا هادئًا قادرًا على استقبال المزيد منها في يوم جديد.
لقد كان دائمًا يشعر بالوحدة رغم جميع من يحيطون به ويحبونه، لكنه ظل دائمًا يخفي وجهًا آخر له عن عيون الناس، جميع الناس. كان الجميع يرون فيه الرجل القوي القادر على احتواء الجميع ومواجهة جميع مرارات الحياة وصعوباتها دون أن يكل أو يمل، لكنه ظل دائمًا يخفي بداخله تكوينه الحقيقي، ذلك الإنسان الضعيف رقيق المشاعر والتكوين الذي يتأثر من أقل حدث يحدث حوله أو كلمة تقال له أو عنه أو عمن يحبهم، ذلك الإنسان الذي تسيل دموعه بداخله لأقل مشاعر حزن أو لأقل هم يصاب به. أما الآن فقد وجد مراده، وجد الشخص الذي لا يخجل منه أو من ظهور وجهه الآخر الضعيف أمامه، فيظهر أمامه مجردًا من أية أقنعة وكأنه يواجه نفسه ويخاطب ذاته.
كان يتحدث إليها ورأسه على رجلها، كان يتحدث وكلما استرسل في حديثه كلما شعر براحة أكبر إلى أن تتحول هذه الراحة إلى غفوة منه، وعندما تراه هكذا تضحك ضحكة عذبة توقظه من غفوته، ويضحك هو الآخر عندما يدرك ما حدث ويظلا يضحكان معًا، يضحكان طويلاً وتلمع أعينهما بدموع الحب.
أما هي فعندما وقعت عيناها أسيرة لعينيه الصافيتين تجسد لها دون أية مقدمات فارسًا للأحلام. لقد وجدت في عينيه رجلاً تتمناه وتحلم به أية فتاة، وتعجبت للحظة، فهل من الممكن أن يحدث ذلك التأثير لمجرد نظرة واحدة؟ هل يمكن للعيون أن يكون لها مثل ذلك التأثير؟ ولم تجد هي الأخرى الفرصة لتجيب على أسئلتها، فقد أسرتها عيونه وروحه فما لبثت هي الأخرى أن وقعت برضًا منها فريسة لأحلام اليقظة.
لقد كانت هي الأخرى تبحث منذ أمد بعيد عن رجل مختلف، رجل بمعنى الكلمة تعتمد عليه في كل شيء وفي كل تفصيلة صغيرة من تفاصيل حياتها، رجل قادر بنظرة من عينيه على أن يحتويها بكل مشاعرها وهمومها وأحزانها، يحتوي غضبها، يحتوي جنونها، يحتوي ضعفها، يحتوي غيرتها .... ويحتوي حبها. لقد كانت دائمًا تشعر – ويشعر كل من حولها – بضعفها فتبكي لأقل شيء ولا تتحمل أية كلمة من أي شخص وكان كثير ممن حولها يستغلون ذلك فيضغطون عليها ليشعروها بضعفها وحاجتها الدائمة إليهم وإلى وجودهم حولها. لم تكن حياتها مستقرة ولم تكن مقتنعة بكل من يحيطون بها من أصدقاء، وحتى أهلها فكانت تشعر بالوحدة المطلقة لكنها لم تكن قادرة على الاستغناء عنهم، وكان من الطبيعي أن تبحث باللاوعي عندها عن سكن لها، عن شخص قادر على أن يجمع شتاتها ويقوي من عزيمتها ومنها لتصبح قادرة على مواجهة الحياة والناس. لقد كانت تحلم منذ طفولتها وصباها بمكان يتحول فيه ضعفها إلى قوة، ولكنها لم تستطع أن تعثر عليه أو حتى أن تتخيله، أما في ذلك اليوم، وبعد تلك النظرة، وبعد أن سرحت بخيالها لتجد ذلك الفتى حبيبًا – بل زوجًا لها استطاعت ولأول مرة أن تتخيل ذلك المكان، لقد أدركت أن المكان الوحيد الذي تشعر فيه بقوتها هو بين يدي هذا الفتى.
لقد وصلت بخيالها إلى مشهد منزل الزوجية، فيعود الرجل (الفتى) من عمله فترنو إليه وتلقي بنفسها بين أحضانه الدافئة، لا تتركه حتى يبدل ملابسه فهي في حاجة شديدة إليه، وهو يرحب بذلك، وتظل تحكي له عما حدث لها في يومها، وما حدث لها عندما خرجت لتشتري بعض الأغراض للمنزل وعندما اتصلت بها إحدى صديقاتها القدامى وما قالته له، تشتكي اليه من الناس والحياة وتبكي، تبكي كثيرًا وتحكي، وتبكي أكثر وأكثر ثم تخرج من بين زراعيه فجأة وكأن خطبًا جللاً قد حدث، وتتوقف عن البكاء وتمسح دموعها السائلة على وجهها، لكن عينيها تظل ممتلئة بالدموع، فتسأله "انت بتحبني؟!" فينظر إليها نظرة عتاب وحب؛ عتاب على سؤالها، وحب يقطع دون شك ويجيب دون كلام عن السؤال، فتبادره بسؤال آخر وهي تبتسم هذه المرة "وبتحبني ليه بقى؟" فيبتسم هو الآخر ثم يجيبها "عشان بحب نفسي، وعمري ما قدرت أفرق بينك وبين نفسي." فتضحك وتبكي – لكن من السعادة هذه المرة – ثم تعود مرة أخرى إلى أحضانه لتنسى كل شيء إلا حبها وحبيبها.
أفاق كل منهما من تأثير النظرة الأولى فاعتدلا دون أن يجرؤ أي منهما على الحديث، فأخذت الفتاة كتبها وأوراقها، وهي لا تدري هل جمعتها كلها أم تركت بعضها على الأرض، ثم ذهبت وذهب، ولم يستطع أي منهما أن ينظر خلفه لينتهي اللقاء الأول فجأة كما بدأ.
عاد كل منهما إلى منزله بعد أن أمضو يومهما بالخارج، وبالمصادفة كان كل منهما يسكن في منزل تطل شرفته على البحر لكن في مكانين متباعدين، وبعد أن بدل كل منهما ملابسه وتناول غداءه وهو ساهم شارد يفكر قاما على الفور إلى شرفتيهما. كان الوقت وقت الغروب فشاهد كل منهما لهيب الشمس وهو ينطفئ في البحر مخلفًا ظلالاً رمادية كثيفة بين السماء والماء. وبعد الغروب بدقائق بدأت أضواء السماء تخبو شيئًا فشيئًا وكل منهما يتابع المشهد ثم نظرا إلى الأفق اللانهائي، إلى الخط الفاصل الذي يجمع ويفرق بين رمادية السماء عند منتهاها وزرقة البحر الداكنة معلنًا نهاية يوم شهد النظرة الأولى، وكل منهما يتوق قلبه وتتوق نفسه وروحه وشتى جوارحه إلى يوم جديد قد تولد فيه النظرة الثانية.






