الثلاثاء، 9 يونيو 2009

صورة جماعية كبيرة


في الأعوام الأخيرة لاحظت ظهور أشياء عديدة في حياتي لم أكن أعلمها أو أدري بوجودها من قبل، كل هذه الأشياء عرفتها بعد ظهورها حق المعرفة وعرفت طبيعتها وتعايشت معها .. عدا شيء واحد كنت أعرفه منذ صغري لكني لم أكن أتوقع أن أعرف طبيعته أو أن أتعايش معه، لم أكن أدري أن هذا الشيء هو حق يقين لا بد من معايشته حيث كان عقلي الصغير وحبي للدنيا يحولون دون أن أتصور هذا الحق أو أن أعايشه.


كنت أسمع منذ صغري عن الموت وكنت أسأل نفسي سؤالاً محيرًا. أنا أحب جدي وجدتي وأمي وأبي وأخوتي فماذا سأفعل إذا فقدت أحد هؤلاء الأشخاص وهل أستطيع تحمل ذلك؟ ... لا! هذا أمر بعيد – كما تصورته في هذا الوقت المبكر من الطفولة – والموت شيء نظري في حياتي حتى الآن فلم أفكر فيه؟ .... (وكأن الموت قد قُدِّر فقط على من لا أعرفه!) لم أكن أعلم في هذا الوقت أن الموت أقرب للإنسان من نفَسه الذي يدخله ويخرجه من وإلى صدره، وأن كل آت قريب مهما بعدت المسافة الزمنية بين الإنسان وبينه.


فوجئت بموت جدي – أبي الروحي – أكثر من تعلمت منه في حياتي .... بدأ الموت يتحول في حياتي إلى شيء عملي يتحقق ويتحول أمامي شيئًا فشيئًا إلى حقيقة واقعة. هزني هذا الحدث كثيرًا ولكن بفضل ما زرعه جدي فيّ قبل موته من إيمان وصله بالله عز وجل لم أنهار بل تعلمت من هذا الحدث الكثير فكان بمثابة البداية التي أعقبها الكثير من الأحداث المؤثرة في حياتي.


سنة تمر من الحياة ... الحياة التي علمت وقتها فقط أن لها مقابل لم آلفه من قبل ... وإذا بي أفقد جدتي التي كنت أعشقها منذ صغري أكثر من أمي فتأثرت كثيرًا لكن سألت الله الصبر وبالفعل والحمد لله أن ألهمني الله الصبر. وبمرور الوقت بدأت أسأل نفسي؛ ما هذا الشيء الذي يظهر فجأة ولا يختفي إلا مصاحبًا لاختفاء شخص من الأحباب أو حتى من غير الأحباب؟ ما هذا الشيء الذي أصبح وجوده في حياتي شيئًا أساسيًا أراه كل يوم في كل مكان فأسمع عن مقتل عدد في مكان ما وآخر في مكان آخر؟ كان الموت يعرض أمام عيني من قبل في كل مكان لكنه كان مهمشًا وغامضًا فلم أفكر فيه ولا في طبيعته إلا عندما أصاب قلبي في أعز أحبابي!!!

فجأة يموت جارنا الذي قابلته قبل موته بلحظات وكان عندها ماشيًا على قدميه في خير حال، وفجأة يموت أحد أقاربي وهو في ريعان شبابه، وفجأة يموت فلان، وفجأة يموت علان، إذًا فهذا الضيف المريب لا ياتي لزيارة الكبار والعجائز فقط بل يأتي للجميع في أي وقت وفي أي مكان. وتمر الأيام ويضيق صدري وأشعر بحزن شديد ناتج عن تراكم العديد من الأحداث، وإذا بي أشعر برغبتي في الموت. فأصبح هذا الشيء المخيف بالنسبة لي من قبل أملاً أتمنى تحقيقه حتى ولو لم أنطق بهذا الأمل أو أن أدعو الله به.


بدأت أشعر أن الموت شيء نسبي ليس له ميعاد ولا مكان ولا حدود إلا ما فرضه الله على عباده فيما يسمى بالقضاء، وبدأت صورة ما ترتسم في خيالي، فبدأت أتصور الحياة وكأنها صورة جماعية كبيرة تحوي أناس ذوي علاقة اجتماعية محددة أو غير محددة، هذه الصورة المكتملة العناصر لا تلبث أن تفقد فردًا من أفرادها فينقص شكل وبريق ومعنى هذه الصورة حتى إذا بدأ الجميع في التعود على الصورة في وضعها الجديد إذا بها تفقد فردًا آخر، وهكذا فردًا ... ففردًا ... ففردًا، حتى يشعر من تبقى في هذه الصورة بعدم قيمة هذا الإطار الذي جمعهم مع من يحبوا دون أن يحميهم، فيتمنوا اللحاق بهم، وهكذا تصبح الصورة فارغة من أهلها ...

والله أعلى وأعلم بما بعدها ...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق