الثلاثاء، 9 يونيو 2009

بنظرة من عينيه تستريح


كثيرًا ما سألت نفسي عن الخصائص والسمات التي ينبغي أن تتوفر في الشخص الذي أتحدث معه وأشكو إليه ما سأشعر به من هم أو حزن كي أستريح. توارد إلى ذهني العديد من السمات، فأخذت أفندها وأنقحها لأصل إلى أهمها كي أهتدي إلى ذلك الإنسان الذي قد يحمل عني ما يثقل كاهلي من ضغوط نفسية أو تلك الإنسانة التي قد تشاركني ما أتعرض له من أعباء حياتية وهموم عاطفية. أخذت أفكر كثيرًا إلى أن اهتديت إلى اثنتين من تلك السمات تعد أهم الشروط التي توجد في الشخص المطلوب ألا وهما؛ فهمه لي وإحساسه بي. وفي هذا المقام يجب أن أخرج من نطاق الأنا لأعمم وصفي التالي لأهمية هاتين السمتين.




كثيرًا ما يحدث البعض إناسًا عما يعانوه في حياتهم معتقدين أن التخلص من هذه الهموم من خلال التحدث مع أي شخص أيًا كانت سماته سوف يفيدهم ويريحهم، لكنهم يُخرجون كل ما لديهم من ضغوط وأعباء نفسية دون الشعور بأية راحة وكأن شيئًا لم يكن. يكون السؤال آنذاك هو لماذا؟ لماذا لم أسترح بعد أن تخلصت من كل ما أحمله بداخلي من أسرار؟ ومن هذا السؤال ينبثق سؤال آخر، لماذا أستريح عند التحدث مع أشخاص بعينهم دون غيرهم؟ إن السر يكمن في مدى فهم الشخص الذي يتحدث إليه الإنسان له ومدى شعوره بما يكابده من آلام نفسية مما يؤثر بالتالي على إحساس هذا الإنسان بمدى اهتمام هذا الشخص بما يقول وتواصله معه.




عندما تشعر أن الشخص الذي تتحدث إليه يفهمك ويشعر بك وبما تقاسيه من هموم يتوفر أهم العناصر التي تريح الإنسان ألا وهو عنصر المشاركة النفسية والوجدانية، فيشعر الإنسان بالمساندة والدعم بل والاحتواء من قبل الشخص الآخر مما يرفع عن كاهله الكثير من الأعباء النفسية والعاطفية التي يشعر بها. فأحيانًا تتحدث مع شخص وتخبره عن جميع المشكلات التي تكمن بداخلك وتؤرقك ولا يعرفها الكثيرون، وبمجرد أن يستمع إلى كلامك ويتحدث إليك لا تجد لكل ما كنت تقاسيه أي أثر وكأنه يمحي بكلماته همومك وأحزانك مثلما تمحي أمواج البحر نقوش رمال الشاطئ. هل أخبرك بما هو أبعد من ذلك، قد تتحدث إلى شخص عن بعض المشكلات التي تواجهك في حياتك وعندما تنتهي من حديثك تشعر براحة عجيبة كالسحر دون حتى أن يتحدث إليك، فمجرد شعورك بفهمه لك وإحساسه بك واهتمامه بما تقول وتعاطفه معك يغنيك عن كلماته مما يشعرك بالراحة دون أن يتحدث إليك، فاستماعه إليك وحده يكفيك. هل أخبرك هذه المرة عما هو أبعد وأعمق من كل ما سبق. قد تجلس مع شخص تحبه وتستريح له فتشعر بالراحة النفسية دون أن يتحدث إليك بل ودون أن تتحدث أنت إليه. إن نظرة واحدة من عيني هذا الشخص إليك بما تحويه من مشاعر تعاطف وتفهم وإحساس وتواصل تكفيك. إن هذه النظرة هي ترياق كل ما تشعر به من هموم وأحزان، إن هذا الشخص وصل بما لديه من إحساس وتفهم لك وإلمام بخبايا ذاتك إلى درجة تغنيه عن الكلام، بل وتغنيك عن الكلام أيضًا. إنه يفهمك دون أن تتكلم ويشعر بك دون أن تشكو ويعالج مشكلاتك دون عناء، ومن أين يأتي العناء، وكيف يجتمع مع التفاهم والتواصل.




في هذه الحياة التي نحياها لا يجد الإنسان كثيرًا مثل هؤلاء الأشخاص، لأن التفاهم والتواصل أصبحا عملة نادرة يندر تواجدها بين البشر لما في هذه الحياة من سرعة صبغت جميع أركانها وأحالت الناس من محاولة تفهم من حولهم والإحساس بهم إلى الانكباب على مصالحهم الشخصية وتجاربهم الذاتية فأصبح الجميع يرغب في الحديث دون الاستماع، وإذا كان الجميع متحدث فمن المستمع إذًا؟ إذا وجد شخص ما مثل هذا الإنسان الذي لا يحتاج إلى كلماته كي يتواصل معه ويحتويه بنظرة من عينيه، فلا يجب عليه أن يفقده لأن معه راحته، فهو شخص يحتاج إليه وإلى دعمه، هو شخص يفهمه دون أن يتحدث ويشعر به دون أن يشكو أو يبوح. هو شخص بنظرة من عينيه يستريح.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق